Return to site

الشرب من كوب مكسور

في الصمت غارقون
بالخوف تائهون
تبكي بنا القلوب
وتكابر العيون
وعندما ضربنا
تولدت جروح
في القلب والمشاعر
قبل الدم المسفوح
وعندما سببنا
كانت تئن الروح
في ظلمة الليالي
نرثي سنا الطموح
وبعضنا اغتصبن
من أقرب الحماة
وعندما كبرن
زوجن بالإكراه
وعندما أهملنا
صحنا بكل فاه
لكننا ذهلنا
من منطق الحياة
الجامد المجافي
للطفل ذي المأساه
واعتادت النفوس
هذا الأسى العظيم
و الهم صار خلا
تاريخه قديم
هل تعرف السعادة
بيتا من الجحيم؟
أصحابه حيارى
في التيه غافلون

في الصمت غارقون

كثير من أبناء جيلي الذين قدمت لهم مشارب الحياة في كأس مكسور عندما كانوا أطفالا يصنعون نماذج لكؤوس من نفس النوع لأبنائهم.
والسر في أن ما زرعته أسر هذه الفئة فيهم عندما كانوا صغارا كان يمثل نموذجا مهلهلا للبناء الأسري حيث تغيب كثير من الممارسات السوية عن مسرح الأحداث اليومية، فالحنان بالمزاج والأمان حسب اتجاه الريح. وكبر هؤلاء فظنوا أن الأساليب التي كانت تدار بها بيوتهم هي "الحياة" وأن التفاهم والاحتواء والاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة مجرد نظريات جوفاء لا مكان لها سوى في خيالات الأدباء وكتب علم النفس. وعندها أصبح عندهم جحود بمعنى السعادة الحقيقية والاستقرار الأسري وراحوا يتقلبون بين الأزمات كما تتقلب الأيام في التقويم. ومن الطبيعي أن تجد هؤلاء المكافحين يلهثون وراء كل بارقة أمل تلمح بالغنى المادي والارتقاء الاجتماعي ، فليس هناك اكتفاء داخلي يغنيهم وليست هناك في قلوبهم قدر كاف من الطمأنينة .

إن عمق معاناة هؤلاء كافية لأن تدمي أكثر القلوب قسوة، فهم ليسوا معاقين جسديا لندعوا لهم بعوض الآخرة وليسوا من أصحاب الأمراض الذهانية التي تدعو ذويهم للسعي بهم بين أزقة العيادات، إنهم الجرحى الصامتون والضحايا غير المذكورين في سجلات المظالم. لذلك فإن أصعب ما يمكنك أن تفعله مع هؤلاء هو أن تقنعهم بأنهم يعانون معاناة تستدعي منهم التوقف لعلاجها! إن التصور المشوه الذي يحمله هؤلاء عن العالم يتيح لهم الوصول لدرجة الإيمان العميق بأنهم كالأسوياء نفسيا وبالتالي فإنهم ليسوا بحاجة لتضييع وقتهم الثمين في نبش الماضي ومحاولة إعادة فهمه، وهم بهذا الرد يرسخون فرص تكرار المآسي في حياتهم دون انقطاع لأن النظارة التي يطلون منها على العالم لا زالت مخدوشة. ومن تجربتي في الحوار مع أشخاص ينتمون لعالم إساءات الطفولة انتبهت لدقة انتباههم ودقة ملاحظاتهم على نحو لافت، كما أن الخليط الذي تحمله ملامحهم البريئة يجعل من كثير منهم شخصيات ذات شعبية في محيطهم مما يزيد المسافة التي يحتاجون لقطعها للتعافي من آثار إساءات الطفولة التي كونت حولهم هالة تقبل وربما تميزا اجتماعيا يضر أكثر مما ينفع.